فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.سورة القيامة:

.تفسير الآيات (1- 4):

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)}
قوله جلّ ذكره: {لآَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيَامَةِ}.
أي: أقسم بيوم القيامة.
{وَلاَ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}.
أي: أقسم بالنفس اللَّوَّامة، وهي النََّفْسُ التي تلوم صاحبَها، وتعرِف نقصانَ حالِها.
ويقال: غداً كلُّ نَفْسِ تلوم نَفْسَها: إمَّا على كُفْرِها، وإمَّا على تقصيرها- وعلى هذا فالقَسَمُ يكون بإضمار الرَّب أي: أقسم بربِّ النفس اللوامة. وليس للوم النَّفْسِ في القيامةِ خطرٌ- وإنْ حُمِلَ على الكُلِّ ولكنَّ الفائدة فيه بيان أنَّ كلِّ النفوس غداً- ستكون على هذه الجُملة. وجوابُ القسَم قولُه: {بَلَى}.
قوله جلّ ذكره: {أَيَحْسَبُ الإنسَانُ ألَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ}.
أيظن أنَّا لن نبعثَه بعد موته؟
{بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ}.
{قَادِرِينَ} نصب على الحال؛ أي بلى، نسوي بنانه في الوقت قادرين، ونقدر أي نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كخُفِّ البعير وظلف الشاة.. فكيف لا نقدر على إعادته؟!

.تفسير الآيات (5- 18):

{بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13) بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18)}
{بَل يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيفْجُرَ أَمَامَهُ}.
يُقدِّم الزّلّةَ ويؤخر التوبة. ويقول: سوف أتوب، ثم يموت ولا يتوب. ويقال: يعزم على ألا يستكثر من معاصيه في مستأنف وقته، وبهذا لا تَنْحَلُّ- في الوقت- عقدةُ الإصرار من قلبه، وبذلك لا تصحُّ توبتُه؛ لأن التوبة من شرطها العزم على ألا يعودَ إلى مثل ما عَمِلَ. فإذا كان استحلاءُ الزلّةِ في قلبه، ويفكر في الرجوع إلى مثلها- فلا تصح ندامتُه.
قوله جلّ ذكره: {يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ}.
على جهة الاستبعاد، فقال تعالى: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}.
{بَرِقَ} بكسر الراء معناها تحَيَّرَ، {وَبَرْقٌ} بفتح الراء شَخَصَ (فلا يَطْرِف) من البريق، وذلك حين يُقَاد إِلى جهنم بسبعين ألف سلسلة، كل سلسلة بيد سبعين ألف مَلَك، لها زفير وشهيق، فلا يَبْقى مَلَكٌ ولا رسول إلاَّ وهو يقول: نفسي نفسي!
{وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} كأَنهما ثوران عقيران.
ويقال: يجمع بينهما في ألاَّ نورَ لهما.
{يَقُولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيِنَ الْمَفَرُّ}؟ والمفرّ موضع الفرار إليه، فيقال لهم: {كَلاَّ لاَ وَزَرَ}.
اليومَ، ولا مَهْربَ من قضاءِ الله.
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُ}.
أي: لا مَحِيدَ عن حُكْمِه.
{يُنَبَّؤُاْ الإِنَسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ}.
أي: يَعْرِف ما أسْلَفَه من ذنوب أحصاها اللَّهُ- وإن كان العبدُ نسيَها.
{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
للإِنسان على نفسه دليل علامة وشاهد؛ فأعضاؤه تشهد عليه بما عملِه.
ويقال: هو بصيرةً وحُجّةً على نفْسه في إنكار البعث.
ويقال: إنه يعلم أَنه كان جاحداً كافراً، ولو أَتى بكلِّ حجةٍ فلن تُسْمع منه ولن تنفعه.
قوله جلّ ذكره: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعَجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وقُرْءَانَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِع قُرْءَانَهُ}.
لا تستعجِلْ في تَلَقُّفِ القرآنِ على جبريل، فإنَّ عينا جَمْعَه في قلبك وحِفْظَه، وكذلك علينا تيسيرُ قرءاته على لسانك، فإذا قرأناه أي: جمعناه في قلبك وحفظك فاتبع بإقرائك جَمْعَه.

.تفسير الآيات (19- 30):

{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19) كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20) وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ (26) وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (27) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ (28) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (29) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ (30)}
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.
نُبيِّنُ لك ما فيه من أحكام الحلال والحرام وغيرها. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعجل في التلقفِ مخافةَ النسيان، فنُهِيَ عن ذلك، وضمن اللَّهُ له التيسير والتسهيل.
قوله جلّ ذكره: {كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الأَخِرَةَ}.
أي: إنما يحملهم على التكذيب للقيامة والنشر أنهم يحبون العاجلة في الدنيا، أي: يحبون البقاء في الدنيا.
{وَتَذَرُونَ الأَخِرَةَ}: أي: تتركون العملَ للآخرة. ويقال: تكفرون بها.
قوله جلّ ذكره: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرةٌ}.
{نَّاضِرَةٌ}: أي مشرقة حسنة، وهي مشرقة لأنها إلى ربها {ناظرة} أي رائية لله.
والنظر المقرون ب {إلى} مضافاً إلى الوجه لا يكون إلاَّ الرؤية، فالله تعالى يخلق الرؤية في وجوههم في الجنة على قَلْبِ العادة، فالوجوه ناظرة إلى الله تعالى.
ويقال: العين من جملة الوجه فاسم الوجه يتناوله.
ويقال: الوجهُ لا ينظر ولكنَّ العينَ في الوجهِ هي التي تنظر؛ كما أنَّ النهرَ لا يجري ولكنَّ الماءَ في النهر هو الذي يجري، قال تعالى: {جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [البقرة: 25].
ويقال: في قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} دليل على أنهم بصفة الصحو، ولا تتداخلهم حيرة ولا دَهَش؛ فالنضرة من أمارات البسط لأن البقاء في حال اللقاء أتمُّ من اللقاء.
والرؤية عند أهل التحقيق تقتضي بقاء الرائي، وعندهم استهلاكُ العبدِ في وجود الحقِّ أتمُّ؛ فالذين أشاروا إلى الوجود رأوا الوجود أعلى من الرؤية.
قوله جلّ ذكره: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ}.
{بَاسِرَةٌ}: أي كالحةٌ عابسة. {فَاقِرَةٌ} أي: داهية وهي بقاؤهم في النار عَلَى التأييد. تظن أن يخلق في وجوههم النظر.
ويحتمل أن يكون معنى {تَظُنُّ}: أي يخلق ظنَّا في قلوبهم يظهر أَثَرُه على وجوههم.
{كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقَي وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}.
أي ليس الأمر على ما يظنون؛ بل إِذا بلغت نفوسُهم التراقيَ، {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ}. أي يقول مَنْ حَولَه: هل أحدٌ يَرْقِيه؟ هل طبيبٌ يداويه؟ هل دواءٌ يشفيه؟
ويقال: مَنْ حَوْله من الملائكة يقولون: مَنْ الذي يَرْقى برُوحه؛ أملائكةُ الرحمة أو ملائكة العذاب؟.
{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ}: وعلم الميت أنه الموت!.
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ}: ساقا الميت. فتقترِنُ شِدَّةُ آخرِ الدنيا بشدَّة أوَّلِ الآخرة.
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} أي الملائكةُ يسوقون روحَه إلى الله حيث يأمرهم بأن يحملوها إليه: إِمّا إلى عليين- ثم لها تفاوت درجَات، وإِمّا إلى سجِّين- ولها تفاوت دَرَكات.
ويقال: الناسُ يُكَفًِّنون بَدنَ الميت ويغسلونه، ويُصَلُّون عليه.. والحقُّ سبحانه يُلْبِسُ روحَه ما تستحق من الحُلَلِ، ويغسله بماء الرحمة، ويصلي عليه وملائكتُه.

.تفسير الآيات (31- 39):

{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32) ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (33) أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (34) ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى (35) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39)}
قوله جلّ ذكره: {فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى}.
يعني: الكافر ما صدٌّق اللَّهَ ولا صلَّى له، ولكن كذَّب وتولَّى عن الإيمان. وتدل الآيةُ على أنَّ الكفارَ مُخَاطَبون بتفصيل الشرائع.
{ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى}.
أي: يتبختر ويختال.
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}.
العَربُ إذا دَعَتْ على أحدٍ بالمكروه قالوا: {أَوْلَى لَكَ} وهنا أتبع اللفظَ اللفظَ على سبيل المبالغة.
ويقال: معناه الويلُ لَكَ يومَ تَحيا. والويلُ لكَ يوم تَموت، والويلُ لكَ يومَ تُبْعَث، والويلُ لكَ يومَ تدخل النار.
{أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى}.
مُهمَلاً لا يُكلَّفُ!؟. ليس كذلك.
{أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِىٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}.
{مِّن مَّنِِىٍّ يُمْنَى} أي تُلْقى في الرَّحم {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أَي: دماً عبيطاً، فسوَّى أَعضاءَه في بطن أُمه، ورَكَّبَ أجزاءَه على ماهو عليه في الخِلْقَة، وجعل منه الزوجين: إن شاء خَلَقَ الذَّكَرَ، وإن شاء خَلَقَ الأنثى، وإن شاء كليهما.

.تفسير الآية رقم (40):

{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40)}
أَليس الذي قدر على هذا كلِّه بقادر على إحياء الموتى؟ فهو استفهام في معنى التقرير.

.سورة الإنسان:

.تفسير الآيات (1- 3):

{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)}
قوله جلّ ذكره: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً}.
في التفسير: قد أتى على الإِنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً له خَطَرٌ ومقدار. قيل: كان آدم عليه السلام أربعين سنة مطروحاً جَسَدُه بين مكة والطائف. ثم من صلصالٍ أربعين سنة، ثم من حملٍ مسنون أربعين سنة، فتمَّ خَلْقُه بعد مائة وعشرين سنةٍ.
ويقال: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهَرِ...}: أي لم يأتِ عليه وقتٌ إلا كان مذكوراً إليَّ.
ويقال: هل غَفلْتُ ساعةً عن حِفْظِك؟ هل ألقيتُ- لحظةً- حَبْلَكَ على غارِبِك؟ هل أخليتُك- ساعةً- من رعاية جديدة وحمايةٍ مزيدة.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.
{مِن نُّطْفَةٍ}: أي من قطرة ماءٍ، {أَمْشَاجٍ}: أَخلاط من بين الرجل والمرأة.
ويقال: طوراً نطفة، وطوراً عَلَقَة، وطوراً عَظْماً، وطوراً لَحْماً.
{نَّبْتَلِيهِ}: نمتحنه ونختبره. وقد مضى معناه.
{فَجَعَلْنَهُ سَمِيعاً بَصِيراً}.
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}.
أي: عَرَّفْناه الطريقَ؛ أي طريقَ الخيرِ والشرِّ.
وقيل: إمَّا للشقاوة، وإمَّا للسعادة، إمَّا شاكراً من أوليائنا، وإما ان يكون كافراً من أعدائنا؛ فإنْ شَكَرَ فبالتوفيق، وإنْ كَفَرَ فبالخذلان.

.تفسير الآيات (4- 6):

{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا (4) إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (5) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (6)}
قوله جلّ ذكره: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلا وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً}.
أي: هَيَّأْنا لهم سلاسلَ يُسْحَبون فيها، {وَأغْلاَلاً} لأعناقهم يُهانون بها، {وَسَعِيراً}: ناراً مستعرة.
{إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً}.
قيل: البَرُّ: الذي لا يُضْمِرُ الشَّرَّ، ولا يؤذي الذَّرّ.
وقيل: {الأَبْرَارَ}: هم الذين سَمَتْ هِمَّتهُم عن المستحقرات، وظهرت في قلوبهم ينابيع الحكمة فاتّقوا عن مُسَاكنةٍ الدنيا.
{يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} رائحتها كرائحة الكافور، أو ممزوجة بالكافور.
ويقال: اختلفت مشاربهُم في الآخرة؛ فكلٌّ يُسْقَى ما يليق بحاله , وكذلك في الدنيا مشاربهُم مختلفة؛ فمنهم مَنْ يُسقَى مَزْجاً، ومنهم من يُسقَى صِرْفاً، ومنهم من يسقى على النُّوَب، ومنهم من يُسقى بالنُّجُب ومنهم من يُسْقى وحدَه ولا يُسقي مما يُسقى غيره، ومنهم مَنْ يسقى هو والقوم شراباً واحداً وقالوا:
إن كنت من ندماي فبالأكبر اسْقِني ** ولا تَسْقِني بالأصغر المتثلم

وفائدة الشرابِ- اليومَ- أن يشغلهم عن كل شيءٍ فيريحُهم عن الإحساس، ويأخذهم عن قضايا العقل.. كذلك قضايا الشراب في الآخرة، فيها زوالُ الأرَبِ، وسقوطُ الطلبِ، ودَوَامُ الطَّرَب، وذَهَابُ الحَرَب، والغفرة عن كلِّ سبب.
ولقد قالوا:
عاقِرْ عقارك واصْطبِحْ ** واقدَحْ سرورَك بالقَدحَ

واخلع عذارك في الهوى ** وأَرِحْ عذولَك واسترحْ

وافرَحْ بوقتِك إنما ** عُمْرُ الفتى وقتُ الفَرَح

قوله جلّ ذكره: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً}.
يُشَقَّقونها تشقيقاً، ومعناه أَن تلك العيون تجري في منازلهم وقصورهم على ما يريدون. واليومَ- لهم عيونٌ في أسرارهم من عين المحبة، وعين الصفاء، وعين الوفاء، وعين البسط، وعين الروح.. وغير ذلك، وغداً لهم عيون.